التراث الفلسطيني وصراع البقاء

28.1.2015

لا يختلف اثنان، أن تحرير الأرض والمقدسات لا يأتي إلا من خلال القوة وفوهة البندقية، وأن من دونهما لا يمكن استرجاع ما سلب بغير حق عامي ١٩٤٨ و ١٩٦٧، وما يسلب الآن من أيدينا المكبلة بفعل صمت عربي ودولي صارخ.

 لكن مع مرور الأيام، ومع اتضاح حجم التواطؤ العربي الغربي مع العدو الصهيوني، وما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون في دول الشتات من مشاريع توطينية، وعدم مقدرتهم على الإنخراط في العمل المسلح في وجه العدو الصهيوني لاسترداد حقوقهم وكرامتهم و مواطنتهم الأصلية، أخذ الفلسطينيون يفكرون بأساليب جديدة تحاكي العمل المسلح مقدرة ونفعا في عملية البقاء والتحرير، فكان لا بد من محاربتهم بسلاح “العودة” من خلال الحفاظ على كل ما يرمز للوطن من تراثيات وعادات والعمل على إحيائها في كل زوايا الإنتشار الفلسطيني. فالجميع على إدراك كامل بأن الحرب ضد الصهيونية هي حرب وجود، وهذا الوجود يشمل الأرض والثقافة والفكر والأدب والتراث وكل ما يتعلق بالأرض…


والإحتلال الصهيوني منذ وجوده على أرض فلسطين وهو يسخر كامل جهوده ليزيل أي صلة وصل بين الفلسطيني وأرضه، فقد سعى لربط تاريخ وثقافة المهاجرين الأوروبيين بالتاريخ الفلسطيني، واصفا هجرة أولئك اليهود بأنها “عودة الشعب الأصلي إلى أرض الميعاد” بعد ألفي سنة تشرد!! 
وقد حاول الإحتلال الصهيوني سرقة عناصر مختلفة من التراث والثقافة الفلسطينية مراراً وتكراراً، ومنها الكوفية الفلسطينية المعروف بألوانه “الأبيض والأسود” ليجعله باللونين “الأبيض والأزرق”، تيمنا بعلم “إسرائيل” و”نجمة داوود”.


وللثوب المطرز يدوياً أيضا نصيب من هذه السرقات، حيث يقوم الإحتلال الصهيوني بتسويق الثوب في الدول الأوروبية والأمريكية على أنه من التراث “اليهودي” وعمره آلاف السنوات، وكانت زوجة “موشي ديان” وزير الحرب الصهيوني قد ارتدت ثوبا فلسطينيا في إحدى المناسبات العالمية في ستينات القرن المنصرم، زاعمة أنه تراث يهودي!


والأخطر من ذلك كله هو قيام الإحتلال الصهيوني على جمع بعض الصناعات الشعبية الفسطينية ومنها التطريز والفخار الزجاجي والصناعات الخشبية والمعدنية والجلدية، وإعدادها من أجل إصدار كتب عن “الفلكور الإسرائيلي” وتوزيعها في المدن الأوروبية والأميركية..


وقد استعرضت الكاتبة الأمريكية نينا بيرليه في كتابها “التجارة غير المقدسة”، عمليات التزوير التي يقوم بها الصهاينة للتراث الفلسطيني، والطرق المتبعة، ومنها قصة إكتشاف الصندوق الصخري- الذي يعتقد اليهود أنه يحتوي على رفات يعقوب أخ المسيح عليه السلام حيث نقش عليه “يعقوب بار يوسف أخوي دي يشوع” “يعقوب بن يوسف أخو يشوع”- في العام 2002، وقد أحدث هذا الاكتشاف جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شكك بعض الباحثين في هذا الادعاء، خاصة أولئك المهتمين بالنقوش، وكان الشك في طبيعة النقش وشكله وطريقة كتابته، ليكتشفوا بعد ذلك أن الصندوق قديم ولكن النقش جديد.


“الكبار يموتون والصغار ينسون” هي قاعدة يرتكز عليها الإحتلال في استهدافه المنظم للإنسان الفلسطيني بكل ما يمت له بصلة، بغرض تفريغ الذاكرة الفلسطينية من مخزونها الثقافي والفكري والتراثي، ولذلك أمام الشعب الفلسطيني تحد كبير ومعركة ثقافية لا هوادة فيها تستدعي العمل على نشر التراث والمحافظة عليه، في ظل عمليات طمس الهوية التي يتعرض لها الفلسطيني من قبل عدو لا يربطه بالتراث الفلسطيني أي رابط..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى