العادات والتقاليد الفلسطينية.. عرف اجتماعي بمنزلة القانون!

علي سعادة

تتشابه العادات والتقاليد الفلسطينية مع العادات والتقاليد في بلاد الشام بشكل خاص وباقي الدول العربية بشكل عام.

ومع الوقت تحولت بعض هذه العادات والتقاليد إلى ما يشبه القانون والعرف الاجتماعي الذي لا يجوز الخروج عليه أو التمرد عليه أو محاولة التشكيك بقيمته وبأهميته.

وربما يعود ذلك إلى أن جزءا من هذه العادات مستمد من الإسلام والحضارة العربية الإسلامية، وبشكل عام لا يمكن إدراج كل ما يتعلق بالعادات والتقاليد ضمن قائمة السلوكيات التي ينبغي تغييرها والتمرد عليها، فثمة الكثير من الموروث الشعبي يحمل في طياته معاني جميلة وقيما راقية وحضارية.

ومن ضمن العادات التي يمكن أن نتحدث حولها تلك المتعلقة بالزواج والولادة والمناسبات الدينية، ففي عادات وتقاليد الولادة تستعد الأسرة لهذه الفرحة بوقت كاف قبل عملية الطهور، حيث تقام الأفراح والولائم، ويلبس الطفل لباسا خاصا لهذه المناسبة، وكانت عملية الطهور تتم من قبل المطهر الذي كان يتجول في البلدان لهذا الغرض، إلا أن هذه العادات تلاشت، بعد أن أصبحت عملية الطهور تتم في المستشفى في نفس اليوم أو بعد عدة أيام من ولادة الطفل.

واعتاد الفلسطينيون مثل غيرهم من العرب على تسمية الطفل البكر في الغالب باسم جده لأبيه، وفي العقود الثلاثة الأخيرة أصبح من المعتاد أن يسمي الرجل ابنه باسم أبيه، أو شخص عزيز من العائلة أو الأقارب، أو شخصية من التاريخ والتراث أو من الأنبياء والأولياء الصالحين والصحابة، أو باسم زعيم سياسي محلي أو عربي.

وكان يسمى الابن في اليوم السابع الذي يلي ولادته، وفي هذا اليوم يتم قص شعر الرأس لأول مرة، وبهذه المناسبة تذبح ذبيحة تسمى “عقيقة”.

أما في شهر رمضان فثمة طقوس عديدة لعل من أهمها الإفطار الجماعي للأسرة حيث اعتاد الآباء والأبناء والأحفاد على تناول طعام الإفطار في منزل الأب أو أحد الأبناء بشكل دوري، كما أنهم اعتادوا على دعوة الأقارب والأرحام والأصدقاء مرة على الأقل لمشاركتهم وجبة الإفطار والإكثار من الصدقات وموائد الرحمن.

وقبيل عيد الفطر تبدأ العائلات بالتزيين والتجهيز لاستقبال العيد وشراء مستلزمات العيد من ملابس وأطعمة وفواكه وحلويات. وتجتمع النساء في اليوم الأخير من رمضان وفي “يوم الوقفة” لصناعة كعك العيد.

في صباح يوم عيد الفطر يخرج الرجال للصلاة في المساجد أو في الساحات العامة، فيؤدون الصلاة ويستمعون إلى خطبة العيد. وما أن تنتهي هذه الشعيرة حتى يقبل الجميع على بعضهم مهنئين وداعين الله أن يتقبل طاعتهم، ويقولون: “تقبل الله طاعتكم” و”كل علم وأنتم بخير”.

وبعد خروجهم من المساجد يذهب العديد منهم إلى المقابر فيقرأون القرآن لإيصال ثوابه إلى موتى المسلمين وشهدائهم ويترحمون عليهم، ويوزعون المال والحلوى والكعك عن أرواحهم.

ويزورون بناتهم كي يفخرن بهم أمام عائلاتهن، خاصة إذا كن متزوجات من أناس من عائلات أخرى، أو في بلدان أخرى (غرايب) فهم “سندهن وعزوتهن”.  ويحمل الزائرون الهدايا والحلويات لأرحامهم..

وبعد الانتهاء من زيارة الأرحام يتوجه الناس لتهنئة جيرانهم وأصدقائهم. وفي عيد الأضحى تتماثل التقاليد والعادات، غير أنه يتميز بذبح الأضاحي (خروف العيد) وتوزيعها على الأرحام حسب السنة.

وتعد المحافظة على الجيران من المسلمات حيث يحرص الجار على مراعاة شعور جاره ومشاركته أفراحه وأحزانه. ويتميز المجتمع الفلسطيني بعادة احترام الضيف وإكرامه وبالمقابل فإن على الضيف احترام حرمة بيت المضيف ومراعاة أوضاعه الخاصة.

وللفلسطينيين في الزواج طقوس وعادات تحاول الأسر الفلسطينية التمسك بها والحفاظ عليها رغم الاحتلال واللجوء والغربة والألم للحفاظ على روح وذاكرة شعب يرغب في الحياة.

وفي طقوس وعادات في الزواج تبدأ الخطوة الأولى باختيار العروس وهي مهمة الأم إذ لا يوجد في فلسطين نظام الخاطبة، فإذا لم يكن لدى الشاب قريبة كابنة عم أو عمة أو ابنة خال أو خالة ويرغب بالزواج منها، تتفق الأم مع صاحباتها وقريباتها، على وضع قائمة بالفتيات اللاتي يردن خطبتهن للشاب، وفق شروط ومواصفات يضعها لشريكة حياته. وعندما يقع اختيار الشاب على فتاة تذهب والدته إلى منزل الفتاة، وتطلب يدها من والدتها.

ويعطي أهل العريس ذوي الفتاة مهلة كي يسألوا عن العريس وأهله، وأخلاقه وتدينه واستقامته.

وبعد انقضاء المهلة تعود والدة العريس إلى بيت الفتاة لسماع الرد. وإذا كان ردا إيجابيا بالموافقة، فإنه يتم تحديد يوم كي يشاهد العريس عروسه، ولتشاهد العروس عريسها.

وفي الموعد المحدد يزور العريس ووالدته ووالده بيت العروس، فترحب بهم عائلة العروس بحضور أعمام العروس وإخوانها، وتدخل العروس وبيدها القهوة وتسلم على الحضور وتجلس قليلًا كي ترى العريس ويراها. وقد يتم في هذه الجلسة الاتفاق على المهر، وقد يترك الأمر لعدة أيام. ثم يعود عدد من كبار العائلة وأصحاب الكلمة فيها (الجاهة) إلى بيت العروس، ويطلبونها بشكل رسمي، ويبدأ الحديث عن المهر والمؤخر وأثاث البيت، وغير ذلك من الأمور.

وتُقدم الحلوى “بقلاوة أو كنافة” إلى جانب المشروبات الغازية والقهوة السادة. وهذه هي أول خطوة من خطوات الزواج الرسمية والمعلنة أمام الملأ.

وفي موعد آخر يأتي المأذون إلى بيت العروس لإجراء العقد أو يذهب العروسان إلى المحكمة الشرعية ليكون عقد الزواج أمام قاضٍ شرعي يسأل العروس عن رغبتها في الاقتران. وبعد عقد الزواج تأتي مرحلة تسمى “الصمدة” وهي حفل خطوبة يدعى فيه أقرباء العروسين، ويتم فيه إعلان الخطوبة، وتقديم الشبكة، وتوزع فيه الحلويات.

ولا يسمح أهل فلسطين، حتى بعد عقد الزواج، في الغالب، بخلوة العريس مع عروسه بخروجهما إلى الأماكن الخاصة أو العامة إلا برفقة أحد الأقارب. ثم في مرحلة لاحقة يتم الاتفاق على موعد الزفاف الذي يحدده الطرفان وتحجز صالة الفرح وتطبع الدعوات وتوزع على المدعوين.

وتسمى ليلة الزفاف بـ”ليلة الحناء”، سواء للعريس أو العروس، فالعريس قبل ليلة الزفاف يكون قد دعا الأصدقاء إلى سهرة شبابية وتدعو العروس صديقاتها وقريباتها لتوديعها وإقامة حفل صغير لها.

وفي الصباح وفي منزل العريس يشرع ذووه في ذبح الولائم وتحضير الغداء أو يدعون الناس للذهاب إلى صالة الأفراح.

وفي الموعد المحدد لنقل العروس إلى بيت الزوجية يذهب العريس وأهله رجالا ونساء إلى منزل العروس وقد زينوا سياراتهم، وخاصة سيارة العروسين، بالزهور والأكاليل وتعزف الموسيقى الشعبية. وتخرج السيارات في رتل كامل وهي تطلق صفاراتها حتى منزل العروس التي تكون على أهبة الاستعداد.  ثم تخرج العروس مع عريسها وأخوتها ووالدها وأعمامها وأخوالها إلى سيارة العريس لتنتقل إلى بيتها الجديد.

وفي الأتراح فإن ثمة عادات راسخة؛ فإذا توفي أحد أفراد العائلة يعلن أهل المتوفى عن ذلك، فيشارك الكثير من الناس في تشييع جنازة المتوفى، ثم يذهب الأقارب والجيران والأصدقاء إلى منزل المتوفى أو الديوان لتقديم واجب العزاء، كما يقوم الأقارب والجيران والأصدقاء بتقديم الطعام لأهل المتوفى طول فترة العزاء، ويقال في العزاء عبارات خاصة من مثل: عظم الله أجركم، والرد شكر الله سعيكم. والبقاء لله، يسلم راسكم يا جماعة، والبقية في حياتكم، خلف لكم طول العمر، والعمر إلكم يا جماعة ..إلخ.

وكما نلاحظ فإن دورة الحياة اليومية (الميلاد- الزواج- الوفاة) تمثل جانبا كبيرا من العادات والتقاليد الشعبية الفلسطينية والعربية، ففي مثل هذه المناسبات الشعبية الهامة ترسخت أنماط من العادات والتقاليد التي قد تصل إلى مستوى القانون الاجتماعي المعترف به.

وتحظى العادات في الوسط الشعبي باحترام شديد، وقد أنزلت بعض هذه العادات منزلة القانون الذي يجب أن يحترمه الجميع. وعلى المرء أن يحترم العادات المتصلة بالشرف والعرض والقتل وما شابه ذلك مما قد يقع تحت طائلة الموت. أما إذا خالف المرء تقليدا، مثل تقاليد الجوار والمجاملة، فإن المجتمع ينبذه ويزدريه ويلوك سمعته. ويترتب على ذلك أمور منها أن يحجم الناس عن مصاهرته، ويعد من سقاط الناس وأراذلهم.

المصدر: العربي 21

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى