العرس الفلسطيني.. تأكيد وإبراز للهوية الوطنية
علي سعادة
الكاتب: علي سعادة
يتمسك الشعب الفلسطيني بعاداته وتقاليده ويحافظ عليها بوصفها جزءا من ذاكرة هذا الشعب، وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات البسيطة بين عادات الأسر الفلسطينية الموجودين في غزة أو الموجودين في الضفة أو في الداخل المحتل، إلا أن أصل هذه العادات واحد، ومتشابه جدا.
ونظرا لأهمية العرس في المجتمع الفلسطيني، ونتيجة طبيعية لما مرت به فلسطين من احتلال، فقد تطور العقد الاجتماعي للعرس متضمنا تنوعا كبيرا من الأهازيج والزغاريد وما يصاحبها من برتوكولات وتقاليد جميلة وبسيطة وأصيلة تتغنى بالشجاعة والكرم.
مهمة اختيار العروس
في البداية يأتي اختيار العروس وتترك مهمة اختيار العروس إلى أم العريس، إذ لا يوجد في فلسطين نظام الخاطبة، فإذا لم يكن لدى الشاب قريبة كابنة عم أو عمة أو ابنة خال أو خالة ويرغب بالزواج منها، تتفق الأم مع صاحباتها وقريباتها، على وضع قائمة بالفتيات اللاتي يردن خطبتهن للشاب، وفق شروط ومواصفات يضعها لشريكة حياته. وعندما يقع اختيار الشاب على فتاة تذهب والدته إلى منزل الفتاة، وتفاتحها في الموضوع.
ومن عادة أهل فلسطين أن يعطي أهل العريس ذوي الفتاة مهلة كي يسألوا عن العريس وأهله، وأخلاقه وتدينه واستقامته.
وبعد انقضاء المهلة تعود والدة العريس إلى بيت الفتاة لسماع الرد. وإذا كان ردا إيجابيا بالموافقة، يتم تحديد يوم كي يشاهد العريس عروسه، ولتشاهد العروس عريسها.
وفي الموعد المحدد يزور العريس ووالدته ووالده بيت العروس، فترحب بهم عائلة العروس بحضور أعمام العروس وإخوانها، وتدخل العروس وبيدها القهوة وتسلم على الحضور وتجلس قليلا بحياء كي ترى العريس ويراها.
الجاهة وكسوة العروس
ثم يعود عدد من كبار العائلة وأصحاب الكلمة فيها (الجاهة) إلى بيت العروس، ويطلبونها بشكل رسمي، ويبدأ الحديث عن المهر والمؤخر وأثاث البيت، وغير ذلك من الأمور.
وبعد الاتفاق بين الجاهة وأهل العروس يتم تحديد يوم لدفع المهر المعجل للعروس، وتقدم الحلوى “بقلاوة أو كنافة” إلى جانب المشروبات الغازية والقهوة السادة.
وفي موعد أخر يأتي المأذون إلى بيت العروس لإجراء العقد أو يذهب العروسان إلى المحكمة الشرعية ليكون عقد الزواج أمام قاض شرعي يسأل العروس في رغبتها في الاقتران بالعريس كي لا تكون مجبرة على ذلك. وهذه الخطوة تعد الأكثر شرعية وتوثيقا بين العروسين. ثم تأتي مرحلة “الصمدة” وهو حفل خطوبة يتم فيه إعلان الخطوبة، وتقديم الشبكة، وتوزع فيه الحلويات.
يتم شراء كسوة العروس من قبل العريس وأهله. كما يشتري العريس ملابس لكل من أخواته وخالاته وعماته. وتحمل الكسوة إلى بيت العروس في موكب يهزج فيه النساء. وتحمل الكسوة عادة على رؤوس النساء فوق أطباق من القش، وقد جللت بالزهور وأغصان الأشجار الخضراء. ثم تدخل النساء بيت العروس، وهناك ينثرن الثياب والهدايا. وتبدأ جولة من الأغاني والرقص الاحتفالي حول الكسوة. ويعد هذا الاحتفال بداية احتفالات الزواج.
احتفالات يوم الزفاف
والاحتفالات الرئيسة بالعروس هي احتفالات الليالي السبع التي تسبق الزفاف. وجرت العادة أن يتم الزواج مساء يوم الجمعة، وهكذا فإن ليلة السبت، التي تسبق يوم الجمعة الذي يحدد يوما للزفاف، تكون الليلة الأولى الاحتفالية في سلسلة ليالي الاحتفال السبع.
وتجري الاحتفالات في مكانين منفصلين، ففي حين يحتفل الرجال في المضافة والديوان أو ساحة البيادر، تحتفل النساء في بيت العريس، أو بيت العروس في ليلة الحناء يسهر الرجال في ساحة واسعة، وتبدأ السهرة بالدبكة.
وتسهر النساء ويرقصن داخل البيوت، ويغنين أغاني متوارثة بمصاحبة تصفيق الأيدي ونقر الطبلة. ويقوم بعض الناس الميسورين الحال في القرية باستفاضة مطربة شعبية محترفة لتحيي سهرات النساء وتشارك في زفة العريس.
ليلة الحناء في القرية أو الشمع في المدينة تسبق ليلة الزفاف بيوم واحد وتكون سهرة النساء في دار العروس حيث تتجمع صديقاتها وقريباتها لتوديعها ويرددن في ليلة الحناء أغنيات شعبية حزينة وداعية للعروس، وتبدأ سهرة ليلة الحنة مع قدوم أهل العريس واللاتي يحضرن معهن الحناء وتقوم إحداهن بحنى العروس وتوزع صرر الحناء على الجارات والصديقات .
وتنشغل القرية ومن فيها بإجراءات يوم الزفاف، نظرا لتعدد هذه الإجراءات وتشعبها. ففي الصباح تبدأ عملية إعداد وليمة العرس بذبح الذبائح وإعداد اللحم وطبخ الطعام. وقبل الظهر يقوم الشبان بمساعدة العريس على الاستحمام والباسه ثيابه الجديدة المزينة بالورد ورشه بالعطور. وعند خروج العريس من مكان الاستحمام يستقبله جمهور الشبان الذين ينتظرون تلك اللحظة في الخارج ويزفونه بالأغاني المختلفة مثل: “طلع الزين من الحمام، الله واسم الله عليه.”
ثم يتحرك موكب العريس إلى حيث يحتشد أهالي القرية في الديوان وهم يغنون. وعند الظهر تقام على شرف العريس مأدبة لجميع أهالي القرية وضيوفها. وتقام حلقة الدبكة، ويغني شاعر شعبي أغاني وطلعات متواصلة حتى العصر، عندما يحين موعد زفة العريس إلى عروسه.
في هذه الأثناء تكون زفة العروس قد خرجت من بيت والدها إلى بيت عريسها ضمن إجراءات، ويذهب خال العروس ووالدها إلى حيث تكون “مصمودة” على لوج مرتفع في بيت والدها، وينزلانها مقدمين إليها الهدايا.
ويزف العريس إلى عروسته في موكب هازج حاشد يخترق أحياء القرية، ويكون العريس قد امتطى صهوة جواد أصيل، وحمل في يده مظلة مزخرفة بالمناديل الناعمة والذهب والورد.
وتقضي التقاليد بأن يسارع العريس إلى عش الزوجية فيكشف عن وجه عروسه، ويقدم لها الهدايا، ثم يخرج إلى حيث يسهر الرجال، لتستأنف من جديد جولة أخرى من الرقص والغناء.
ورغم الوضع السياسي والأمني والتضييق من قبل الاحتلال في فلسطين وكل محاولات الاحتلال إلغاء وطمس الهوية الفلسطينية، إلا أن الفلسطيني ما زال يقارع بكل السبل والوسائل المتاحة لديه للحفاظ على هويته وتراثه من الاندثار، ومن أهم المظاهر الاجتماعية التي يسعى من خلالها الفلسطيني إلى تعزيز وجوده وصموده، الأعراس الفلسطينية التي تعتبر مناسبة مهمة لإبراز الهوية الفلسطينية.
المصدر: العربي 21